
ينظم مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط دورته الثلاثين وسط أجواء فنية واحتفالية تستعيد أبرز الأسماء التي أثرت الساحة السينمائية المتوسطية وأغنتها بأعمال رائدة وأساليب تعبيرية متنوعة ومؤثرة إذ خصص القائمون على هذه النسخة تكريما خاصا لثلاث شخصيات بارزة ساهمت كل واحدة منها بطريقتها في تطوير لغة السينما والارتقاء بها إلى مراتب عالية من التقدير داخل وخارج أوطانها.
ويأتي المخرج المغربي نبيل عيوش ضمن لائحة المكرمين هذه السنة تقديرا لمساره الفني الحافل الذي تميز باشتغاله على قضايا اجتماعية حساسة وواقعية ترتبط بشكل مباشر بتحولات المجتمع المغربي حيث استطاع من خلال أعمال مثل علي زاوا والزين اللي فيك وعلّي صوتك أن يطرح تساؤلات عميقة حول الهوية والهامش والحرية بطريقة تجمع بين الجرأة الفنية والطرح الإنساني.
أما المخرج الفرنسي نيكولا فيليبير فقد تم اختياره لما له من بصمة فنية خاصة في مجال السينما الوثائقية التي تتناول الإنسان في لحظاته البسيطة والمعقدة في آن واحد حيث برع هذا المخرج في التقاط تفاصيل الحياة اليومية للفئات المهمشة وصنع منها عوالم سينمائية مؤثرة كما يظهر في أفلامه البارزة مثل أن تكون وتملك والآدامانت واللذين جسد فيهما نوعا من السينما الهادئة التي لا تصرخ ولكنها تترك أثرا عميقا في وجدان المتلقي.
ويمثل فيليبير بذلك صوتا سينمائيا فريدا يعيد للوثائقي مكانته الأصلية كوسيلة لفهم الآخر والتقرب منه حيث يجعل من الكاميرا أداة للملاحظة والتأمل لا للتدخل أو الإدانة ويرسخ من خلالها صورة المخرج الفنان الحاضر بغيابه والبعيد بقربه عن شخصياته.
كما يسلط المهرجان الضوء أيضا على المسيرة الفنية المتميزة للممثلة الإسبانية عايدة فولتش التي استطاعت أن تشق طريقها بثبات منذ بداياتها الأولى في سن مبكرة لتصبح واحدة من الوجوه الأكثر تألقا في السينما الإسبانية حيث تنوعت اختياراتها الفنية بين الدراما الاجتماعية والكوميديا والرومانسية مما أكسبها شعبية واسعة في إسبانيا ودول أخرى.
وقد شاركت فولتش في أعمال سينمائية رفيعة المستوى مثل أيام الاثنين تحت الشمس وتعويذة شنغهاي حيث قدمت أداءات تميزت بالعفوية والصدق العاطفي ما جعل النقاد يعتبرونها من الممثلات القادرات على منح شخصياتهن عمقا إنسانيا يتجاوز النصوص ويعانق أحاسيس المتفرج بلغة بصرية راقية وبعيدة عن المبالغة.
ويمثل هذا التكريم في مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ليس فقط احتفاء بأسماء لامعة بل هو أيضا تعبير عن وفاء المهرجان لمبادئه الأولى التي انطلقت منذ تأسيسه في دعم سينما تعكس واقع الشعوب المتوسطية وتمنح الكلمة لصوت الفنان الذي يرى بعين مختلفة ويحلم بواقع أكثر عدالة من خلال الصورة والصوت والحركة.
وقد اختار المنظمون هذه الأسماء نظرا لمساهماتهم التي تتقاطع عند نقطة واحدة وهي جعل السينما مساحة للحوار والتفاعل بين الثقافات ووسيلة لتفكيك التعقيدات الاجتماعية عبر سرديات إنسانية ذات بعد فني وفكري عميق كما أن اختيارهم ينسجم مع هوية المهرجان التي تسعى دوما إلى تكريم الفن الحقيقي بعيدا عن الأضواء الزائفة.
ويجدر بالذكر أن الدورة الثلاثين لمهرجان تطوان ستنطلق في الفترة الممتدة من 26 أبريل إلى 3 ماي من السنة الجارية وسط استعدادات كبرى وبرمجة متنوعة تعكس غنى وتنوع السينما المتوسطية حيث يشكل هذا الحدث فرصة لتلاقي الفنانين والنقاد والجمهور في فضاء ثقافي وفني مفتوح على الحوار والابتكار.
ويأتي هذا الاحتفال في سياق خاص جدا حيث يصادف مرور ثلاثين سنة على انطلاقة هذا المهرجان الذي تحول من فعالية محلية إلى حدث دولي يحظى بمتابعة واسعة من داخل المغرب وخارجه مما يكرس مكانته كواحد من المواعيد السينمائية الرائدة في العالم العربي ومنطقة المتوسط.
التدوينة مهرجان تطوان يحتفي برواد السينما في دورته الثلاثين تكريما لمسارات بارزة في المغرب وفرنسا وإسبانيا ظهرت أولاً على LalaMoulati.Net.
0 تعليقات