البيوت أسرار..
كل بيت له أسرار، وكل قلب من قلوب الناس يكتم أسرارا، والإنسان يجب أن ينظر لمن يفضي بأسراره له، فيكون موضع ثقته وأمانته، والأسرار أمانة فمن أفشاها إنما خان، وأسرار البيت أعظم أمانة، يجب على الأزواج الحفاظ عليها، وعلى الزوجين حفظها حتى لا تذهب الثقة بينهما.
يجب دائما الحذر من الإسترسال في الثرثرة مع الصديقات، والدخول في المواضيع الخاصة والتي تخص أسرتك وحياتك الزوجية، فإن ضاق صدرك بأسرارك، فلا تظن أن صديقك أو صديقتك سوف يكتمون السر. لقول الشاعر: إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ** فصدر الذي يستودع السر أضيق
فضح الأسرار: طريق سريع للطلاق
تقول هدى وهي مطلقة في الثلاثينات من العمر، «إفشاء الأسرار الزوجية، شر لابد منه، وهو من الناحية الشرعية حرام، والزواج هو اللباس، فإن لم يقيك لباسك من البرد والحر ويسترك ويكون غير شفاف، يرفع مستواك، وهو بالتالي ليس لباس مناسب لك، أيضا الزوج الذي لا يصونك ويحفظك ويسترك فهو ليس زوجا. لكن في بعض الأحيان هناك مشاكل لابد من التنفيس عليها، وإخراجها من الصدر أمر ضروري، ولكن المشكل الحقيقي هو أن من تفضفض له عن مشاكلك لا يكون أهلا للأمانة وهنا تحدث الكوارث، وأنا شخصيا طليقي كان يعتبر بأن وجود صديقات معناه انتشار الأسرار، وكان يحاصرني ويحاول أن أقطع صداقاتي، وكان ذلك من أسباب طلاقي». وتضيف، «يقال إن السر الذي يخرج من اثنين لم يعد سرا، وكان يقصد بالاثنين الشفتين السفلى والعليا».
إفشاء الأسرار يقطع طريق الرجعة والتواصل، وهو ما تؤكده ليلى وهي مطلقة، التي تقول: «هناك نقطة مهمة وهي عدم إفشاء أسرار الطليق أو الطليقة، وهي الأمانة ما بعد الطلاق، وأن كشف الأسرار الزوجية بعد الطلاق بقصد الإساءة للطرف الآخر من الأمور المحرمة، وهي غيبة ونميمة وقطع للأواصر الاجتماعية، وتضيف «الطلاق ليس نهاية العلاقة، بل إذا كان هناك أطفال فالعلاقة تستمر مدى الحياة، لهذا يجب التكتم عن أسرار الزوج، وذلك من باب لا تنسوا الفضل بينكم، ومن حسن العشرة أيضا، ومن أجل حفظ نفسية الأطفال وتربية أطفال أسوياء.
أما إبراهيم متزوج منذ 5 سنوات، فيقول «لم أحذر زوجتي في بداية زواجنا من إفشاء أسرارنا، لكنني فوجئت أن أمها وأختها يعرفان حياتنا الزوجية بأدق تفاصيلها حتى الحميمية منها، مما سبب لنا مشاكل كبيرة نحاول تجاوزها، لكن يبقى لدي إحساس أنني عار أمام أهلها، فانعدمت ثقتي بها».
وتقول أمينة، «ابنتي لا تطلعني على مشاكلها ولا على أسرارها، لكنها تخبرني بالأنباء السعيدة، ورغم أنني كثيرا ما أشعر بعدم ارتياحها، لكنها تتجاوز مشاكلها دون تدخلنا أنا وأباها. وهذا أمر جيد لأن المشاكل الزوجية يمكن أن يتجاوزها الزوجان بينما عائلة أحدهما لا تنسى ما قد يقال أو يذكر في حقها أثناء الخلافات، مما يترك طابعا سلبيا لدى الأسرة دائما. فالأهل بعد اضطلاعهم على خبايا الحياة الخاصة لأي منهما ستتغير فكرتهم عن الآخر، وتصبح الصورة مشوشة ومهزوزة، وقد يؤدي ذلك إلى نفور الأهل من الطرف الآخر، وقد ترجع الأمور طيبة بين الزوجين، لكن تظل الصورة سيئة أمام الآخرين.
وتوافق حنان، متزوجة، على هذا الرأي، وتقول «دائما أحس من خلال كلام أم زوجي أو أخواته، بأنهم يعلمون الكثير من أمورنا الخاصة، وحتى الحميمية، وحذرت زوجي مرارا وتكرارا لكنه لم يتغير، وأنا أصبحت لا أعطي الأمر أهمية. لكن في الحقيقة عندما تصبح حياتك الخاصة كعلكة تمضغ في الألسنة تحس بأنك بدون خصوصية».
الدين وكتمان الأسرار
لم يترك الدين الإسلامي جانبا من جوانب الحياة الإنسانية إلا وتطرق لها، وخاصة العلاقة بين الأزواج، وما يسطرها من جوانب نفسية وآداب، وكتمان الأسرار أمر شرعي، يجب الإلتزام به بين الأزواج والناس، للتقرب إلى لله وحسن التعبد. فلا تجعل أسرارك الزوجية كصحن فواكه تقدمه للقادم والذاهب. فتهتك الستار وتنزع الحياء، وتقضي على أهم ركائز الزواج وهو الثقة والستر.
والنساء خاصة في أكثر تجمعاتهم يبدأن في الثرثرة العامة، ثم يبدأن في الخوض في قصص حياتهن، إلى أن يصلن إلى أسرار فراشهن وعلاقتهن الجنسية بين أزواجهن، بل وربما يصفن لصديقاتهن أدق التفاصيل لأمور حميمية، فهذا الأمر محرم شرعا، وسبب لأمراض النفس الحسد والغيرة، وفقدان الثقة بين الأزواج إن كشف الزوج أمر زوجته، كما أنه قد يكون سببا للطلاق وهدم بيت الزوجية إن هي أفشت مشاكل العلاقة الحميمية التي قد تمر في الحياة الزوجية.
ولخطورة إفشاء الأسرار الزوجية، نهى الرسول (ص) عن فعل هذا، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «إن من أشر الناس عند لله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها».رواه مسلم.
احفظي لسانك تأمني حياتك
لتحافظي على حياتك الزوجية آمنة من جميع الشرور، ومن تلصص القريب والبعيد، ومن شر الحاسدين والواشين، اتركي أسرار بيتك في بيتك وأسرار فراشك على فراشك، فلا تخرج خارج الغرفة، بداية لأن التحدث عن ذلك أمر محرم شرعا، وخارج عن الحياء والأدب، وثانيها أنه من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى كسر العلاقة الزوجية.
وجاء في دراسة لعلماء النفس أن ترويح الزوجة عن نفسها بالفضفضة إلى صديقاتها والتحدث عن أسرارها ومشاكلها الزوجية، ينتج عنه شعور دائم بالقلق، رغم وجود بعض الراحة التي تكون آنية، تليها شعور بالقلق من انتشار أسرارها وتشعر بالندم لذلك. فلا أحد من الرجال يستريح لإفشاء أسرار حياته الزوجية، وهم عامة لا يحبون أن تتحدث زوجاتهم عن خلافاتهم الزوجية، أو حتى أخبارهم أو نواياهم المستقبلية، وهناك من الأزواج من يحذر زوجته منذ بداية الزواج من التحدث بخصوصياته لأي شخص مهما كان مقربا منه أو منها.
ولعل أسوء ما يمكن أن يفاجئ به الزوج، أن تتحدث زوجته عن علاقتهما الحميمة وسط صديقاتها، فغالبا ما يحس أنه دخل في سباق للمقارنات على القدرات الجنسية، وأصبح كالنكتة أو الفرجة لها ولصديقاتها اللواتي في أغلب الأحيان يسترسلن في التحدث عن أزواجهن أيضا. بل إن على الزوجين التواصي بحفظ أسرارهما العائلية وعدم نقلها خارج عش الزوجية لأن حفظ أسرار البيت من أهم عوامل نجاح الحياة الزوجية واستمرارها.
الأسرار مراتب ودرجات
الأسرار الزوجية، هي كل تصرف أو كل قول أو حدث أو خبر أو موقف وقع داخل البيت وبين الزوجين، ويجب على الأزواج عدم إطلاع من خارج البيت بهذه التفاصيل مهما كانت صغيرة أو تافهة في نظر البعض. لهذا فأسرار البيوت أنواع وليست كلها خطيرة.
فهناك أسرار العلاقة الخاصة بين الزوجين وهذه يجب على الزوجين حفظها بالنفس فلا يحدثا بها أحدا ولا يخرجاها من حبسها الدفين، وهي أمور حميمية يجب كتمانها عن كل الناس حتى الوالدين.
وهناك الأسرار المتعلقة بالخلافات بين الزوجين، وهذه تقدر بقدرها، والزوجان الذكيان هما اللذان يحفظا هذه الأسرار ولا يخرجا منها إلا ما يعالج المشكلة، وليس هذا البوح للأصدقاء. وإن نفذ صبرهما على الكتمان وعجز اللسان عن التحصين، فيمكن الأخذ برأي الدين، فينظم لقاء يجمع «حكما من أهله وحكما من أهلها»ليصلحا ما قد فسد، ويوجد أيضا بعض المواقع للإستشارات الأسرية عبر المواقع الإكترونية ومواقع خاصة بمعالجين أسريين رهن إشارة أزواج، وذلك لإنقاذ الزوجين من آفة الطلاق التي صارت نسبها في ارتفاع مستمر.
وتوجد العديد من المشاكل التي لا تستدعي تدخل الأهل ويمكن أن يواجهها الزوجان بحكمة وروية وقليل من الصبر، وهناك الأسرار المتعلقة بخصوصيات البيت ولا يجوز نشرها حتى لا تفقد الأسرة حرمتها أمام الآخرين. لقول لله عز وجل: «ضرب لله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما»، وفسرت الآية بأن امرأة نوح كانت تكشف سره فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، أما امرأة لوط فكانت إذا استضاف لوط أحدا أخبرت أهل المدينة ممن يعملون السوء حتى يأتوا ويفعلوا بهم الفاحشة.
والأسرار ليست كلها سلبية وقبيحة، فمنها الإيجابي، وأيضا من المحذور إفشاؤه ولأسباب أخرى، فالأسرار الإيجابية عندما تنقل للآخرين قد تولد في بعض النفوس، ما يصعب علاجه من غيرة وحسد وكره وحقد. فقد حذر نبي لله يعقوب عليه السلام ابنه يوسف عليه السلام من إخبار إخوته بالرؤيا التي رآها. فالرؤيا كانت أمرا إيجابيا، ورغم ذلك حذر النبي ابنه من إخباره لإخوته وهم قرابته فمابالك بمن يخبر بأموره الغرباء من أصدقاء وجيران.
أحسن التعامل مع أسرارك بكتمانها
احفظ أسرارك فلا تبح بها لأحد، فإن بحت بها لقريب فقد يسوءه أمرك، ومشاكلك مع زوجك ستكون ثقيلة عليه، فيحاول مشاورة غيره ليجد حلا لك فينشر سرك، ولا يحسن التعامل معها، وإن كتمها أحزنه أمرك لأنه لم يجد لك حلا. أو تحكيها لشخص حاسد أو شامت أو حاقد فتسعده بها ويطير بها فرحا وينشرها لكل من حولك، فيتشمت بما أصابك ويسعد بشقاءك. ويكون سببا في تضخيم مشاكلك بل سيقودك لنهاية وخيمة النتائج وهي الطلاق.
0 تعليقات